ولد فردينان توتل في حلب في 12 أيلول 1887 في كنف عائلة حلبية مارونية عريقة .والده رزق الله توتل و ووالدته ميليا سالم. هو الثالث من خمسة أولاد هم جوزيف (والد الأستاذ رزق الله توتل الأستاذ في مدرسة الجمهور اللبنانية)، وليم (والد الطبيب الجراح شارل توتل)، فردينان، رأفت و كارلوس (اللذين توفيا شبابا(
كبر و ترعرع في بيت العائلة في حي الصليبة (مبنى الحرفيين حالياً في حي الصليبة) و كان يرتاد مدرسة القديس نيقولاوس للروم الملكيين الكاثوليك القريبة من بيته.
ربته أمه على حب الله و المواظبة على الصلاة و التقوى. فحين كان في العاشرة من عمره ظهرت لديه رغبة لتعقب آثار القديس سمعان العامودي، الناسك الشهير في شمال سورية و الذي سمع من أمه مآثره العجيبة فخطرت بباله طريقة غريبة لترك العالم. فاتفق مع أحد رفاقه على الخروج خفية من حلب ليعيشا عيشة النساك في ضواحيها. فاستعدا لذلك بالإعتراف و المناولة ثم انطلقوا إلى البرية على طريق الناعورة فالجميلية فالفيض، لا زاد معهما إلا الكتاب المقدس و سير القديسين.
لاحظ أستاذهما في المدرسة جورج مخلوطة غيابهما و علم من التلاميذ أنهم ذهبوا إلى البرية للتنسك!! بلغ الخبر والديهما فانطلقا في أثرهما و عادا بهما إلى المدينة. وقف المطران كيرلس جحا على ذلك الحادث فسر جداً و افتخر بمدرسته مدرسة القديس نيقولاوس للروم الملكيين الكاثوليك التي كانت تغرس في قلوب طلابها حب الله و التقوى و الفضيلة. و تجدر الاشارة الى ان الصف الذي درس فيه الأب فردينان توتل اليسوعي أنجب أسقفاً (المطران ايسيدوروس فتال) و عدة كهنة من الطبقة الأولى: الأيكونومس جبرائيل رباط، الواعظ الشهير الأكسرخس هيلاريون عبجي، الأرشمندريت بطرس سابا، الخوري كيرلس عقاد.
في صيف عام 1902، حين بلغ الخامسة عشر من عمره، ترك فردينان منزل أبويه ليلتحق بالمدرسة الرسولية للآباء اليسوعيين في مقاطعة ليون الفرنسية و التي تقع تحديداً في ضاحية مدينة فالنس ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة سالوزولا الإيطالية و قضى بين هاتين المدينتين ما يقارب الأربعة أعوام (1902 – 1906). كان النظام الداخلي للرهبنة اليسوعية في تلك الأيام يرفض صراحة أية عطلة مع الأهل قبل أن ينهي الطالب دراسته فلم يتسنى لفردينان قبل انخراطه في الحياة الرسولية رؤية أهله عام 1906 لأن عامه الدراسي في معهد القديس أغسطينوس (Saint Ignace) كان قد انتهى و كان مضطراً لأن يلتحق في نفس العام بدار الرهبان المبتدئين في دير Saint-Léonard-Sur-mer في انكلترا. قضى هناك عامين (1906 – 1908) ثم تابع دراسته في Cantorbéry. ترك أوروبا و عاد بعد انهاء دراسته إلى الشرق مجدداً و لكن هذه المرة إلى القاهرة حيث عمل موجهاً لمدة عامين في معهد القاهرة للآباء اليسوعيين (1910 – 1912) و استطاع خلالها قضاء عطلة الصيف في لبنان الذهاب لرؤية أهله في حلب في صيف عام 1911.
سافر إلى مدينة جيرسي الإنكليزية بالفترة بين (1912 – 1915) لدراسة الفلسفة و عاصر هناك التعبئة الكبرى للحرب العالمية الأولى عام 1914حيث التحق العديد من أصدقاءه بالجيش و ذهبوا إلى الحرب و لم يعودوا. درس اللاهوت في Ore-Place قرب Hastingsبالفترة بين (1915 – 1918) ثم سيم كاهناً في الأول من أيار من عام 1918 في احتفالٍ لم يستطع أن يحضره أهله و أحباءه. قضى بعد ذلك عاماً كاملاً في فرنسا (1918 – 1919) و بعدها عاد إلى القاهرة مجدداً (1920– 1921) و نذر نذوره الأخيره هناك في الثاني من شباط عام 1921 ثم انتقل إلى سوريا و لبنان حيث خدم مدة نصف قرن و نيف. أصبح الكاهن المسؤول عن المدارس في بكفيا (1921 – 1923) ثم في زحلة ( 1923 – 1926) ثم في تعنايل (1926– 1927) بعد ذلك أرسل إلى بيروت كأستاذ رئيسي لتعليم اللغة العربية في معهد الآباء اليسوعيين كما تسلم إدارة الصندوق العربي للمكتبة الشرقية الخاصة بالآباء اليسوعيين. كان للأب فردينان توتل اليسوعي الفضل الأكبر في إنشاء العديد من المؤسسات الدينية في لبنان التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا و التي تعنى بالأعمال الخيرية.
كما تأثر من الإنحلال الأخلاقي للفتيات المتروكات و الضائعات في مدينة بيروت و استطاع أن يحصل من المونسينيور فردينان جيانيني – السفير الباباوي آنذاك على الموافقة لمتابعة هذا الموضوع و التحقيق الدقيق فيه و إيجاد الحل المناسب له. في النهاية توصل مع راهبات Bon Pasteur d’Angers في الدكوانة (احدى ضواحي بيروت)، إلى إنشاء ملجأ و منزل للأمهات العازبات و واجه هذا المشروع في البداية كثيراً من الضغوط و النقد السلبي الذي تحمله الأب فردينان و الراهبات لإنجاح هذه المهمة. بناء على طلبه عين الخوري المسؤول عن سجن الرمل (لبنان) الذي وجده في حالة مزرية. يقبع السجناء في الكسل، يحتجز الأحداث مع الكبار دون الأخذ بعين الإعتبار الفئات العمرية للمسجونين.
تغلب على كل الإرادات السلبية و على العمل الروتيني و ذلك من خلال إصراره المتواصل فاقام و رشات عمل و استطاع أن يجمع الأحداث في منطقة خاصة لحين افتتاح مدرسة إعادة التأهيل الخاصة بهم. عمل كثيراً للسجون في الضواحي و كان يزور سجن بيت الدين (الشوف/لبنان). من خلال تواصله اليومي مع السجناء و توزيعه للهدايا و التبغ. كانت خفة ظله هي التي تضيء الساعات الاكثر عتمةً. اضطر عدة مرات إلى مساندة المحكومين بالإعدام في ساعاتهم الأخيرة و ذلك بمرافقتهم إلى حبل الإعدام. و قد لحن مرةً الوصايا العشر على أنغام لحن لبناني شعبي و لم يكن يخشى أن يردده في السجون غادر لبنان و عاد للمرة
الوحيدة الى أهله و مسقط رأسه – حلب – ليقضي الفترة ما بين عام 1937 و 1947.
في العاشر من كانون الأول عام 1939 و بعد سنة من تحويل الأب فردينان من بيروت
إلى حلب، أرسل محتجز في سجن بيت الدين إلى الاب كريستوفر دو بونفيل (النائب العام للرهبنة آنذاك) رسالة موقعةً من ثلاثمئة محتجز مفادها الطلب باعادة الأب فردينان توتل لتولي أمور السجن الروحية. هذا الإلتماس الذي أرسله السجناء يعكس الميزة الرئيسية في شخصية الأب توتل اليسوعي ألا و هي العاطفة الأبوية الحقيقية التي كان يكنها تجاه جميع المتروكين و الصغار، تجاه الأيتام و الفقراء، تجاه المرضى و المسجونين. لم يستطع أي شيء أن يوقفه حين كان يدافع عن قضية حق، عن حقيقةٍ أو عن حريةٍ. ففي الفترات الأخيرة للإنتداب الفرنسي و تحديداً في 29 حزيران عام 1945 رأوه يعاند و يتصدى لمجموعة مسلحة كانت تجتاح La Résidence d’Alep و تعلوا حناجرهم صيحات الموت ضد الريس الأب فيكتور بروفو. و في العاشر من كانون الثاني 1946 كانت الشرطة تمنع أي دخول إلى مدرسة راهبات القلبين الأقدسين فتجاوز الجمع و طالب بكلمات مؤثرة الحق بالدخول و حصل عليه. أما أبرز أعماله فكانت على الصعيد التوثيقي حيث كانت تتعلق بمسيحيي مدينة حلب تحديداً. فقد كان مولعاً بالأوراق القديمة، بالأبحاث و المخطوطات.
و قد نشر في مجلة المشرق مجموعة كبيرة و هامة من الوثائق التي تتضمن أخباراً عن مدينة حلب في القرن السابع عشر و الثامن عشر و التاسع عشر. كما جمع في عدة مؤلفات وثائق تاريخية عن حلب تشمل الأحداث في الحياة الدينية و الإجتماعية تتضمن الأخبار و الحوادث و الأعلام التي عثر عليها في مطالعة المكاتب و قراءة المخطوطات و مراجعة الجرائد في الأديرة و بيوت الناس الذين كان يزورهم (وثائق تاريخية عن حلب – أخبار اللاتين و الروم و ما إليهم – المكتبة الكاثوليكية- ص 7- أخبار الموارنة و ما إليهم من 1606 إلى يومنا). كما نشر عن رحلاته بين الشرق و الغرب على مدى نصف قرن و نيف. لقد قدر الأب فردينان توتل اليسوعي تلك الوثائق و قيمتها التاريخية لكونها تمس صميم حياة البلاد الإجتماعية في تلك الحقبة و حياة أهلها من مسيحيين و مسلمين.
مؤلفاته: 1. وثائق تاريخية عن حلب، أخبار الموارنة وما إليهم من سنة (1606 إلى 1947) - المطبعة الكاثوليكية 1958. 2. وثائق تاريخية عن حلب، أخبار السريان وما إليهم أخذاً عن يوميات نعوم البخاش وغيرها من المخطوطات من سنة (1840 إلى 1875) - المطبعة الكاثوليكية . 3. وثائق تاريخية عن حلب، أخبار اللاتين و الروم و ما إليهم (1855-1963) - المطبعة الكاثوليكية 1946. 4. الحركة الفكرية في سورية - المطبعة الكاثوليكية. 5. تاريخ الأزمنة للبطريرك الدويهي (تحقيق). 6. تاريخ الآداب المسيحية العربية تعريب، مقال نشر في مجلة الشرق 1952. 7. المنجد في الآداب والعلوم وعنه أخذ (المنجد في العلوم) حيث استطاع بعد عمل شاق و مثمر إنهاء هذا القسم المكمل للقسم اللغوي الذي ألفه الأب لويس معلوف بالفترة بين (1869 – 1946). 8. بحث عن البطريرك أسطفان الدويهي- المطبعة الكاثوليكية . 9. دفتر أخوية عزبان الأرمن و ما إليه - المطبعة الكاثوليكية 1950 10. أولياء حلب في منظومة الشيخ وفاء مع ترجمة لأبي الوفاء الرفاعي - المطبعة الكاثوليكية 1941.
جميع الوثائق السابقة اصبحت مصادرٌ استعان بها باحثون و مؤلفون رووا تاريخ مدينة حلب و منهم الأرشمندريت أغناطيوس ديك في كتابه (3 أجزاء) "الحضور المسيحي في حلب خلال الألفين المنصرمين – مطبعة الإحسان – حلب".
استدعي بعدها إلى بيروت عام 1947 و عين مدير La Congrégation Notre-Dame des Sept Douleurs لمدة ثمانية عشر عاماً (حتى عام 1965) حيث نظم و حضر إحتفالات اليوبيل. رغم تقدمه في السن ثابر على زيارة المشافي و التواصل مع المرضى و تقديم القربانة لهم متجاهلاً جميع المخاطر التي قد تسبب له الأذى خاصة في شوارع بيروت المزدحمة حتى نهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر من عام 1967 حيث كان قد بلغ الثمانين من عمره. و كانت المشافي التي يزورها تفتقر إلى خوري كاثوليكي يرعاها مثل: مشفي القديس جاورجيوس للأرثوذوكس، مشفى المقاصد الإسلامي، مشفى الكارانتينا الحكومي، مشفى الأمراض العقلية للبروتستانت (العصفورية)، مشفى بعبدا الحكومي. كان يرفض فكرة أن الفقر و التشتت العائلي يمكن أن يكون سبباً لحرمان الأطفال من فرحتهم. فكان كلما تواجد سيرك في بيروت يصر على الحصول على بطاقات حفلة مجانية يوزعها على الأطفال في مياتم المدينة و لكل الطوائف إسلاماً كانوا أم مسيحيين. اشتهر أيضاً بوسع مخيلته و جرأته و لكنه عرف أيضاً بطاعته العمياء لمرؤوسيه. إنه شخص ملتزم جداً باليسوعية، بتراث يسوعية الأجيال الماضية ينهل منها و يجد الحلول في ثنايا تاريخها. أُدخل مشفى
يسوع الملك نظراً للآلام المريعة التي أصابته و أعاقت حركته لكنه تحملها بكل إيمانٍ.
و بعد أن تحسنت حالته أصر على اعادته الى الجامعة رغم أن المشفى كان مكان ديني كهنوتي صرف و قوبل طلبه بالموافقة. لم تخلو سنواته الأخيرة من المحن و بداً ذلك بتدمير الأبنية القديمة للجامعة اليسوعية عام 1974 و انتقاله للاقامة في مستوصف مدرسة الجمهور و في العام التالي لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان و انقطاع وسائل الإتصال مع بيروت حيث تضاءلت زيارات أصدقاءه و تلاميذه و كانت آلامه الجسدية لا تحتمل و منعته من الحركة لكنه تقبلها بإيمان و صبر و ثابر على ترديد صلواته المفضلة: "يا قلب يسوع إني أثق بكَ"... " لقد أخطئت و لا زلت أخطىء لكنني لن أخطىء يوماً بتقليل ثقتي بالله". وافته المنية في مستوصف الجمهور في الثاني عشر من أيار من عام 1977 عن عمر يناهز التسعين عاماً. رثاه الأب المسؤول العام عن الرهبانية اليسوعية عبد الله داغر و قرأ في جنازته الإنجيل الخاص بيوم الدينونة: "كنت مريضاً ..... كنت مسجوناً.... ما فعلتموه لهؤلاء الصغار فلي فعلتموه".
و بمناسبة مرور ستين عاماً على حياته الكهنوتية ألقى المسؤول العام كلمة عدد فيها مناقب و أعمال الأب فرديناند الرسولية التي لا تعد و لا تحصى من إنشاء La Maison Du Bon Pasteur و استحداث منصب "خوري السجون"، إضافة إلى جميع الأعمال الخيرية و الإجتماعية في La Congrégation des ouvriers و العمل الدؤوب مع المرضى في المشافي إضافة إلى مد كل جسور التواصل و الحوار مع الأرثوذكس، البروتستانت و مع مختلف طوائف المسلمين
ربته أمه على حب الله و المواظبة على الصلاة و التقوى. فحين كان في العاشرة من عمره ظهرت لديه رغبة لتعقب آثار القديس سمعان العامودي، الناسك الشهير في شمال سورية و الذي سمع من أمه مآثره العجيبة فخطرت بباله طريقة غريبة لترك العالم. فاتفق مع أحد رفاقه على الخروج خفية من حلب ليعيشا عيشة النساك في ضواحيها. فاستعدا لذلك بالإعتراف و المناولة ثم انطلقوا إلى البرية على طريق الناعورة فالجميلية فالفيض، لا زاد معهما إلا الكتاب المقدس و سير القديسين.
لاحظ أستاذهما في المدرسة جورج مخلوطة غيابهما و علم من التلاميذ أنهم ذهبوا إلى البرية للتنسك!! بلغ الخبر والديهما فانطلقا في أثرهما و عادا بهما إلى المدينة. وقف المطران كيرلس جحا على ذلك الحادث فسر جداً و افتخر بمدرسته مدرسة القديس نيقولاوس للروم الملكيين الكاثوليك التي كانت تغرس في قلوب طلابها حب الله و التقوى و الفضيلة. و تجدر الاشارة الى ان الصف الذي درس فيه الأب فردينان توتل اليسوعي أنجب أسقفاً (المطران ايسيدوروس فتال) و عدة كهنة من الطبقة الأولى: الأيكونومس جبرائيل رباط، الواعظ الشهير الأكسرخس هيلاريون عبجي، الأرشمندريت بطرس سابا، الخوري كيرلس عقاد.
في صيف عام 1902، حين بلغ الخامسة عشر من عمره، ترك فردينان منزل أبويه ليلتحق بالمدرسة الرسولية للآباء اليسوعيين في مقاطعة ليون الفرنسية و التي تقع تحديداً في ضاحية مدينة فالنس ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة سالوزولا الإيطالية و قضى بين هاتين المدينتين ما يقارب الأربعة أعوام (1902 – 1906). كان النظام الداخلي للرهبنة اليسوعية في تلك الأيام يرفض صراحة أية عطلة مع الأهل قبل أن ينهي الطالب دراسته فلم يتسنى لفردينان قبل انخراطه في الحياة الرسولية رؤية أهله عام 1906 لأن عامه الدراسي في معهد القديس أغسطينوس (Saint Ignace) كان قد انتهى و كان مضطراً لأن يلتحق في نفس العام بدار الرهبان المبتدئين في دير Saint-Léonard-Sur-mer في انكلترا. قضى هناك عامين (1906 – 1908) ثم تابع دراسته في Cantorbéry. ترك أوروبا و عاد بعد انهاء دراسته إلى الشرق مجدداً و لكن هذه المرة إلى القاهرة حيث عمل موجهاً لمدة عامين في معهد القاهرة للآباء اليسوعيين (1910 – 1912) و استطاع خلالها قضاء عطلة الصيف في لبنان الذهاب لرؤية أهله في حلب في صيف عام 1911.
سافر إلى مدينة جيرسي الإنكليزية بالفترة بين (1912 – 1915) لدراسة الفلسفة و عاصر هناك التعبئة الكبرى للحرب العالمية الأولى عام 1914حيث التحق العديد من أصدقاءه بالجيش و ذهبوا إلى الحرب و لم يعودوا. درس اللاهوت في Ore-Place قرب Hastingsبالفترة بين (1915 – 1918) ثم سيم كاهناً في الأول من أيار من عام 1918 في احتفالٍ لم يستطع أن يحضره أهله و أحباءه. قضى بعد ذلك عاماً كاملاً في فرنسا (1918 – 1919) و بعدها عاد إلى القاهرة مجدداً (1920– 1921) و نذر نذوره الأخيره هناك في الثاني من شباط عام 1921 ثم انتقل إلى سوريا و لبنان حيث خدم مدة نصف قرن و نيف. أصبح الكاهن المسؤول عن المدارس في بكفيا (1921 – 1923) ثم في زحلة ( 1923 – 1926) ثم في تعنايل (1926– 1927) بعد ذلك أرسل إلى بيروت كأستاذ رئيسي لتعليم اللغة العربية في معهد الآباء اليسوعيين كما تسلم إدارة الصندوق العربي للمكتبة الشرقية الخاصة بالآباء اليسوعيين. كان للأب فردينان توتل اليسوعي الفضل الأكبر في إنشاء العديد من المؤسسات الدينية في لبنان التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا و التي تعنى بالأعمال الخيرية.
كما تأثر من الإنحلال الأخلاقي للفتيات المتروكات و الضائعات في مدينة بيروت و استطاع أن يحصل من المونسينيور فردينان جيانيني – السفير الباباوي آنذاك على الموافقة لمتابعة هذا الموضوع و التحقيق الدقيق فيه و إيجاد الحل المناسب له. في النهاية توصل مع راهبات Bon Pasteur d’Angers في الدكوانة (احدى ضواحي بيروت)، إلى إنشاء ملجأ و منزل للأمهات العازبات و واجه هذا المشروع في البداية كثيراً من الضغوط و النقد السلبي الذي تحمله الأب فردينان و الراهبات لإنجاح هذه المهمة. بناء على طلبه عين الخوري المسؤول عن سجن الرمل (لبنان) الذي وجده في حالة مزرية. يقبع السجناء في الكسل، يحتجز الأحداث مع الكبار دون الأخذ بعين الإعتبار الفئات العمرية للمسجونين.
تغلب على كل الإرادات السلبية و على العمل الروتيني و ذلك من خلال إصراره المتواصل فاقام و رشات عمل و استطاع أن يجمع الأحداث في منطقة خاصة لحين افتتاح مدرسة إعادة التأهيل الخاصة بهم. عمل كثيراً للسجون في الضواحي و كان يزور سجن بيت الدين (الشوف/لبنان). من خلال تواصله اليومي مع السجناء و توزيعه للهدايا و التبغ. كانت خفة ظله هي التي تضيء الساعات الاكثر عتمةً. اضطر عدة مرات إلى مساندة المحكومين بالإعدام في ساعاتهم الأخيرة و ذلك بمرافقتهم إلى حبل الإعدام. و قد لحن مرةً الوصايا العشر على أنغام لحن لبناني شعبي و لم يكن يخشى أن يردده في السجون غادر لبنان و عاد للمرة
الوحيدة الى أهله و مسقط رأسه – حلب – ليقضي الفترة ما بين عام 1937 و 1947.
في العاشر من كانون الأول عام 1939 و بعد سنة من تحويل الأب فردينان من بيروت
إلى حلب، أرسل محتجز في سجن بيت الدين إلى الاب كريستوفر دو بونفيل (النائب العام للرهبنة آنذاك) رسالة موقعةً من ثلاثمئة محتجز مفادها الطلب باعادة الأب فردينان توتل لتولي أمور السجن الروحية. هذا الإلتماس الذي أرسله السجناء يعكس الميزة الرئيسية في شخصية الأب توتل اليسوعي ألا و هي العاطفة الأبوية الحقيقية التي كان يكنها تجاه جميع المتروكين و الصغار، تجاه الأيتام و الفقراء، تجاه المرضى و المسجونين. لم يستطع أي شيء أن يوقفه حين كان يدافع عن قضية حق، عن حقيقةٍ أو عن حريةٍ. ففي الفترات الأخيرة للإنتداب الفرنسي و تحديداً في 29 حزيران عام 1945 رأوه يعاند و يتصدى لمجموعة مسلحة كانت تجتاح La Résidence d’Alep و تعلوا حناجرهم صيحات الموت ضد الريس الأب فيكتور بروفو. و في العاشر من كانون الثاني 1946 كانت الشرطة تمنع أي دخول إلى مدرسة راهبات القلبين الأقدسين فتجاوز الجمع و طالب بكلمات مؤثرة الحق بالدخول و حصل عليه. أما أبرز أعماله فكانت على الصعيد التوثيقي حيث كانت تتعلق بمسيحيي مدينة حلب تحديداً. فقد كان مولعاً بالأوراق القديمة، بالأبحاث و المخطوطات.
و قد نشر في مجلة المشرق مجموعة كبيرة و هامة من الوثائق التي تتضمن أخباراً عن مدينة حلب في القرن السابع عشر و الثامن عشر و التاسع عشر. كما جمع في عدة مؤلفات وثائق تاريخية عن حلب تشمل الأحداث في الحياة الدينية و الإجتماعية تتضمن الأخبار و الحوادث و الأعلام التي عثر عليها في مطالعة المكاتب و قراءة المخطوطات و مراجعة الجرائد في الأديرة و بيوت الناس الذين كان يزورهم (وثائق تاريخية عن حلب – أخبار اللاتين و الروم و ما إليهم – المكتبة الكاثوليكية- ص 7- أخبار الموارنة و ما إليهم من 1606 إلى يومنا). كما نشر عن رحلاته بين الشرق و الغرب على مدى نصف قرن و نيف. لقد قدر الأب فردينان توتل اليسوعي تلك الوثائق و قيمتها التاريخية لكونها تمس صميم حياة البلاد الإجتماعية في تلك الحقبة و حياة أهلها من مسيحيين و مسلمين.
مؤلفاته: 1. وثائق تاريخية عن حلب، أخبار الموارنة وما إليهم من سنة (1606 إلى 1947) - المطبعة الكاثوليكية 1958. 2. وثائق تاريخية عن حلب، أخبار السريان وما إليهم أخذاً عن يوميات نعوم البخاش وغيرها من المخطوطات من سنة (1840 إلى 1875) - المطبعة الكاثوليكية . 3. وثائق تاريخية عن حلب، أخبار اللاتين و الروم و ما إليهم (1855-1963) - المطبعة الكاثوليكية 1946. 4. الحركة الفكرية في سورية - المطبعة الكاثوليكية. 5. تاريخ الأزمنة للبطريرك الدويهي (تحقيق). 6. تاريخ الآداب المسيحية العربية تعريب، مقال نشر في مجلة الشرق 1952. 7. المنجد في الآداب والعلوم وعنه أخذ (المنجد في العلوم) حيث استطاع بعد عمل شاق و مثمر إنهاء هذا القسم المكمل للقسم اللغوي الذي ألفه الأب لويس معلوف بالفترة بين (1869 – 1946). 8. بحث عن البطريرك أسطفان الدويهي- المطبعة الكاثوليكية . 9. دفتر أخوية عزبان الأرمن و ما إليه - المطبعة الكاثوليكية 1950 10. أولياء حلب في منظومة الشيخ وفاء مع ترجمة لأبي الوفاء الرفاعي - المطبعة الكاثوليكية 1941.
جميع الوثائق السابقة اصبحت مصادرٌ استعان بها باحثون و مؤلفون رووا تاريخ مدينة حلب و منهم الأرشمندريت أغناطيوس ديك في كتابه (3 أجزاء) "الحضور المسيحي في حلب خلال الألفين المنصرمين – مطبعة الإحسان – حلب".
استدعي بعدها إلى بيروت عام 1947 و عين مدير La Congrégation Notre-Dame des Sept Douleurs لمدة ثمانية عشر عاماً (حتى عام 1965) حيث نظم و حضر إحتفالات اليوبيل. رغم تقدمه في السن ثابر على زيارة المشافي و التواصل مع المرضى و تقديم القربانة لهم متجاهلاً جميع المخاطر التي قد تسبب له الأذى خاصة في شوارع بيروت المزدحمة حتى نهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر من عام 1967 حيث كان قد بلغ الثمانين من عمره. و كانت المشافي التي يزورها تفتقر إلى خوري كاثوليكي يرعاها مثل: مشفي القديس جاورجيوس للأرثوذوكس، مشفى المقاصد الإسلامي، مشفى الكارانتينا الحكومي، مشفى الأمراض العقلية للبروتستانت (العصفورية)، مشفى بعبدا الحكومي. كان يرفض فكرة أن الفقر و التشتت العائلي يمكن أن يكون سبباً لحرمان الأطفال من فرحتهم. فكان كلما تواجد سيرك في بيروت يصر على الحصول على بطاقات حفلة مجانية يوزعها على الأطفال في مياتم المدينة و لكل الطوائف إسلاماً كانوا أم مسيحيين. اشتهر أيضاً بوسع مخيلته و جرأته و لكنه عرف أيضاً بطاعته العمياء لمرؤوسيه. إنه شخص ملتزم جداً باليسوعية، بتراث يسوعية الأجيال الماضية ينهل منها و يجد الحلول في ثنايا تاريخها. أُدخل مشفى
يسوع الملك نظراً للآلام المريعة التي أصابته و أعاقت حركته لكنه تحملها بكل إيمانٍ.
و بعد أن تحسنت حالته أصر على اعادته الى الجامعة رغم أن المشفى كان مكان ديني كهنوتي صرف و قوبل طلبه بالموافقة. لم تخلو سنواته الأخيرة من المحن و بداً ذلك بتدمير الأبنية القديمة للجامعة اليسوعية عام 1974 و انتقاله للاقامة في مستوصف مدرسة الجمهور و في العام التالي لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان و انقطاع وسائل الإتصال مع بيروت حيث تضاءلت زيارات أصدقاءه و تلاميذه و كانت آلامه الجسدية لا تحتمل و منعته من الحركة لكنه تقبلها بإيمان و صبر و ثابر على ترديد صلواته المفضلة: "يا قلب يسوع إني أثق بكَ"... " لقد أخطئت و لا زلت أخطىء لكنني لن أخطىء يوماً بتقليل ثقتي بالله". وافته المنية في مستوصف الجمهور في الثاني عشر من أيار من عام 1977 عن عمر يناهز التسعين عاماً. رثاه الأب المسؤول العام عن الرهبانية اليسوعية عبد الله داغر و قرأ في جنازته الإنجيل الخاص بيوم الدينونة: "كنت مريضاً ..... كنت مسجوناً.... ما فعلتموه لهؤلاء الصغار فلي فعلتموه".
و بمناسبة مرور ستين عاماً على حياته الكهنوتية ألقى المسؤول العام كلمة عدد فيها مناقب و أعمال الأب فرديناند الرسولية التي لا تعد و لا تحصى من إنشاء La Maison Du Bon Pasteur و استحداث منصب "خوري السجون"، إضافة إلى جميع الأعمال الخيرية و الإجتماعية في La Congrégation des ouvriers و العمل الدؤوب مع المرضى في المشافي إضافة إلى مد كل جسور التواصل و الحوار مع الأرثوذكس، البروتستانت و مع مختلف طوائف المسلمين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire